معركة الاثار المصرية والكنيسة الاوربية
بسم الله الرحمن الرحيم
اهلا بكم اعزائى فى حلقات جديدة عن التاريخ المصرى القديم
# اعرف تاريخك
تابع المعركة بين الكنيسة الاوروبية والاثار المصرية
في نفس السياق ساعرض لكم مقالات في نفس الموضوع من الاستاذ /
Micho Maceen
تعرضنا فى البوست السابق لتلك الصورة التى حملها العقل الأوروبى عن مصر و حضارتها قبل أن ينجح شامبليون فى فك رموز الهيروغليفية .
و قبل أن نبدأ حديثنا عن شامبليون و إنجازه الذى غير وجه التاريخ حرفيا ، سنشير فى هذا البوست إلي حدث طريف جرت وقائعه خلال فترة الحملة الفرنسية مصر قبل رحلة شامبليون ب٢٨ عاما ، و لكنه كان حدثا يحمل دلالة كبيرة علي الصراع الفكرى فى أوروبا وقتها ما بين الكنيسة الكاثوليكية و تأريخها المتوارث من جهة ، و ما بين العلماء و منهجهم ( الجديد وقتها )فى كتابة التاريخ من جهة أخري :
يعرف بعض الباحثين فى علم المصريات بأمر ذلك الخطاب الذى أرسلته القنصلية الفرنسية بالقاهرة لحكومتها فى فرنسا بمناسبة نجاح ( شامبليون ) فى فك رموز الخط الهيروغليفى عام ١٨٢٢ ، و ما ورد فيه بشأن شعور البابا شخصيا بالإمتنان الشديد لهذا الكشف ..
و لهذا الخطاب قصة طريفة ، و لكنها تحتاج إلي أن نعرف أولا طبيعة العلاقة ما بين الكنيسة الكاثوليكية فى فرنسا و رئاستها فى روما من جهة ، و ما بين حكومة الديركتوار الجمهورية فى فرنسا و علماءها من جهة أخري خلال الفترة التى أعقبت الثورة الفرنسية ( ١٧٨٩ م ) ، ثم تنظيم الحملة الفرنسية علي مصر ( ١٧٩٨ - ١٨٠١ م ) :
ففى القرن السابع عشر الميلادى قام أحد الأساقفة المشهورين فى كنيسة أيرلندا و هو ( جيمس أشر James Ussher ) بمجموعة من الحسابات الزمنية لتاريخ خلق العالم و خلق آدم أبو البشر بالإستعانة بسلسلة الأنساب الواردة فى سفر التكوين بالتوراة ، ثم خرج علي العالم ليعلن أن آدم قد ظهر إلي الوجود فى الساعة السادسة من مساء يوم ٢٢ أكتوبر عام ٤٠٠٤ قبل ميلاد المسيح !!
و برغم النقاش الكنسى الذى حدث وقتها حول تاريخ اليوم و الشهر ، إلا أن فكرة تحديد عمر البشرية علي الأرض بأربعة آلاف عام قبل الميلاد قد لاقت قبولا عاما من الكنائس وقتها علي إختلاف طوائفها .
و لاحقا عندما سيبدأ إكتشاف ( الأحافير fossils ) ، ثم بداية ظهور علم الأنثروبولوچيا و ما إرتبط به من تواريخ و أرقام تحمل إلي يمينها عددا لا بأس به من الأصفار تؤرخ لتاريخ الأرض و ظهور الجنس البشرى ، سيحدث جدال عنيف ما بين اللاهوتيين التقليديين traditional ممن يؤمنون بحرفية النص الكتابى و ما بين معظم الدوائر العلمية الغربية مما يخرج عن موضوع حديثنا .
و عودة لحديثنا ، فمنذ بداية الثورة الفرنسية و مبادئها ظهر الميل الواضح لخروج فرنسا عن السيطرة البابوية سياسيا ثم فكريا ، و خير ما يلخص هذا المشهد هو تلك اللوحة الشهيرة لتتويج نابليون و التى تظهره و هو يختطف التاج من يد البابا ليضعه بنفسه علي رأسه .
المهم أن علماء الحملة الفرنسية قد جاءوا إلي مصر حاملين فى أذهانهم المعتقد المسيحى التقليدى حول قصة موسي و فرعون و أحداث الخروج ، و كان جهدهم المشكور فى توثيق المعابد و الآثار المصرية و نقوشها بمنتهي الدقة مادة دسمة للعلماء الغربيين بعد عودة الحملة إلي فرنسا للنقاش و الجدال حول هذا الموضوع .
و من الأحداث الطريفة التى يرويها التاريخ أن نابليون و علماءه قد زاروا معبدى ( دندرة ) و ( إسنا ) فى صعيد مصر ، و بسبب جهلهم باللغة المصرية وقتها ظنوا أن دائرة البروج فى ( دندرة ) تبدأ ببرج الأسد ، بينما تبدأ قائمة الأبراج فى ( إسنا ) ببرج العذراء ، و عليه فقد استنتجوا أن معبد ( دندرة ) قد تم بناؤه عندما كانت الشمس فى برج الأسد علي الدورة الفلكية الكبري ( حوالى ٤٠٠٠ سنة قبل الميلاد ) ، و أن معبد ( إسنا ) - بحسب نفس الفرضية - يعود إلي ٧٠٠٠ سنة قبل الميلاد !
و قام علماء الحملة بنشر هذا ( الإكتشاف ) فى جريدة ( المونيتور Moniteur ) التى كانت الحملة تصدرها فى القاهرة بتاريخ ١٨ أغسطس ١٨٠٠ م ، و طار الخبر إلي أوروبا ليبدأ سلسلة من الجدال الحامى الوطيس الذى استمر لمدة ٢٠ عاما ( ١٨٠٠ - ١٨٢٢ ) ما بين الكنيسة و رجالها من جهة ، و ما بين العلماء المنتشين بلذة العلم و التواقين لفصل المنهج العلمى عن سيطرة الكنيسة من جهة أخري .
و كان علي رأس المدافعين عن التاريخ الكنسى المعتمد لخلق البشر هو الأب ( تيستا ) و الذى قام بترجمة الكتابات اليونانية التى نقلها علماء الحملة من علي جدران المعبدين ، فوجدها ألقابا لأباطرة رومان مما عضد وجهة نظره فى أن هذين المعبدين قد تم بناؤهما فى العصر الرومانى .
و لم ينتهى هذا الجدال إلا عندما نجح ( شامبليون ) فى فك رموز الخط الهيروغليفى ، فثبت بالدليل القاطع أن المعبدين قد بنيا فى العصر اليونانى الرومانى ، و هكذا خرجت الكنيسة منتصرة من هذه الجولة إلي حين .
و كان من نتيجة هذا الصراع أن رأينا مشهدين متباينين تماما :
فعقب إعلان شامبليون لإكتشافه عام ١٨٢٢ أعلن البابا عن إمتنانه لهذا الكشف ، و كتبت القنصلية الفرنسية بمصر خطابا لحكومتها تتحدث فيه عن الأهمية الفائقة لهذا الكشف ، و عن الخدمة الجليلة التى قدمها للكنيسة الكاثوليكية .
و علي الجانب الآخر ، فقد بدأ شامبليون رحلته لمصر ، حيث طاف بعدد كبير من المعابد و المقابر المصرية ليدرس نقوشها و يقارنها بما توصل إليه من نتائج ، و لكن كانت المفاجأة أنه قد كتب خطابا لشقيقه ( شامبليون فيچاك ) يخبره فيه بأنه قد توصل لنتائج ( يحسن أن تبقي طى الكتمان ) .
و برغم أن شامبليون لم يفصح عن المزيد من التفاصيل ، إلا أنه ليس من الصعب أن نتكهن بما كان يقصده :
فمنذ هذا التاريخ - و حتي يومنا هذا - إنفتح أمام العالم كنز لا ينضب من القصص و التواريخ و الآداب و العلوم و الفنون المصرية القديمة التى كانت قد إندثرت و إنقطعت أخبارها منذ إندثار اللغة المصرية القديمة بخطوطها الثلاثة ، حيث كانت كل معلوماتنا عن الحضارة المصرية علي مدار خمسة عشر قرنا محصورة فيما ورد بشأن مصر فى التوراة و كتب الرحالة القدامي و الروايات المتوارثة بين شعوب الأرض عن تلك الحضارة العظيمة التى سادت الدنيا يوما ما .
فإذا بالمصادر المصرية تحكى لنا - بلسان أصحابها أنفسهم - أخبار ملوكهم و عقائدهم و حياتهم اليومية بشكل يغاير كل ما توارثته أوروبا و كنيستها بشأنهم .
فى ظل هذه المعلومة يمكننا أن ندرك السبب فى إمتنان البابا وقتها لإكتشاف ( شامبليون ) ، كما يمكننا أن نفهم سبب توجس ( شامبليون ) نفسه مما قرأه علي جدران المعابد و المقابر المصرية من تواريخ و عقائد و أفكار تخالف ما إستقر فى تعاليم الكنيسة الكاثوليكية و كتابات آباء الكنيسة علي مدار ١٥٠٠ عام حول مصر و حضارتها
كل الشكر والتقدير للصديق / ميشيل ماكين
# اعرف تاريخك
تعليقات
إرسال تعليق